..

آلام المسيح بحسب القدّيس كيرلس الأورشليمي

مقدِّمة

إنَّ كل عمل عمله المسيح هو بمثابة فخر للكنيسة لكن أكثر الأعمال فخرًا هو صليبه، لهو أمر عجيب أن يُطعم المسيح خمسة آلاف نفس من خمس خبزات (متَّى 14: 21) لكن ما نتيجة هذه المعجزة بالنسبة للذين يجوعون جهلاً؟

مات المسيح لأجلنا على الصليب وافتدى كل العالم ولم يكن هو مجرَّد إنسان بل ابن الله الوحيد الجنس

إن كان فينحاس من غيرته قتل ذاك الذي فعل أفعالاً قبيحة وأوقف غضب الله ألا يستطيع المسيح الذي لم يقتل احدًا بل أعطى ذاته فدية أن يزيل الغضب من على البشر؟ سأقوم ببحثي هذا بتسليط الضوء على آلام المسيح وكيف ذُكرت في العهد القديم وكيف تمَّمها الرَّب يسوع بتجسّده وآلامه محبة منه للبشر

ذبيحة المسيح على الصّليب أبطلت كل الذَّبائح ومنحت الخلاص فالمسيح هو ابن الله المتأنِّس الذي مات لأجل خلاصنا. كثيرون في كل المسكونة صُلبوا لكن ولا واحد من هؤلاء خاف منه الشياطين؛ فالشَّياطين بمجرَّد أن يروا علامة صليب المسيح الَّذي صُلِبَ لأجلنا يرتعدون خوفًا، لأنَّ الآخرين ماتوا على الصَّليب بسبب خطاياهم، أمَّا المسيح فمن أجل خطايا الآخرين لأنَّه مكتوب " الَّذي لم يفعل خطيئة ولا وُجِدَ في فمه مكر" (1بط2: 22)، ويقول في هذا الأمر أشعيا وقد رأى مقّدَّمًا مجئ المسيح كإنسان (أش53: 9)، فشهادة بيلاطس الَّذي حكم عليه يقول: “لم أجد في هذا الإنسان علَّة مِّما تشكون به عليه” (لو23: 14) وبينما هو يسلمه ليُعاقب بعد أن غسل يديه قال: “أنا بريء من دمّ هذا الصِّدِّيق” (مت27: 24)، كذلك شهادة أخرى عن المسيح البار الَّذي لم يقترف خطيئة وهي شهادة اللص الَّذي هو أوَّل من دخل الفردوس والَّذي وبَّخ اللص الآخر وقال له: " أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لِأَنَّنا نَلْقى ما تَستوجِبُه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا “(لو23: 41

المسيح مات بإرادته لذلك كان الصَّليب مجده

كل البشر لا يعرفون تمامًا متى يموتون، لذا هم يموتون بدون إرادتهم، لكن المسيح قال مقدّمًا: “ابن الإنسان يُسلم ليُصلب” (متَّى26: 2)، وهو لم يتجنَّب الموت لكي لا يترك العالم يهلك في خطاياه، إذ كان مكتوب أيضًا “ثبَّت وجهه لينطلق إلى أورشليم” (لو9: 51

الصَّليب هو مجد يسوع إذ حين خان يهوذا وأنكر فضل سيده خرج من المائدة وبدلاً من أن يتبارك بشراب الخلاص شرَّع في أن يسفك دم البار “الَّذي وثقت به أكل خبزي رفع عليَّ عقبه” (مز41: 9) وعند خروج يهوذا قال المسيح: “قد أتت السَّاعة ليتمجَّد ابن الإنسان” (يوحنا12: 23) وهذا لا يعني أنَّه قبل ذلك لم يكن له المجد، لأنَّه كان ممجَّدًا بالمجد الأبديّ، ولأنَّه إله كان ممجدًّا دائمًا ولم يمت لأنَّهم ذبحوه عنوة، بل كل ما صار له حدث بإرادته

لم يخجل من عار الصّليب لأنَّه به خلَّص المسكونة، هذا الَّذي تألَّمَ لم يكن مجرَّد إنسان بل كان الله الَّذي تأنَّس متسلِّحًا بالصَّبر من أجل الجهاد الموضوع أمامه

رفض اليهود المصلوب إذ صار الصَّليب عثرة بالنسبة إليهم، وهكذا أُعطيت النِّعمة للأمم

لقد اعترض اليهود، هؤلاء الَّذين هم دائمًا متأهبُّون للاعتراض وخاملون من جهة الإيمان لدرجة أنَّ النَّبيّ أشعيا قال: “من صدَّق خبرنا” (أش53: 1)، فالَّذين هم من أهل فارس يؤمنون، بينما اليهود لا يؤمنون “الَّذين لم يخبروا به سيبصرون والَّذين لم يسمعوا سيفهمون” (روما15: 21)، اليهود الَّذين يدرسون الكتب المقدَّسة يناقضون ما يدرسونه، هؤلاء يعترضون قائلين: بناء على ذلك هل تألَّم الرَّب؟ هل الأيدي البشريَّة هي أقوى كثيرًا من سلطانه؟ إقرأ مراثي إرميا، لأنَّه هو يرثي لحالكم بسبب الأمور الجديرة بالرّثاء، رأى دماركم وشاهد سقوطكم ورثى وقتذاك أورشليم لأنَّ أورشليم الحاليَّة لا تحتاج إلى رثاء، لقد صَلَبَته أورشليم القديمة، أمَّا الحاليَّة فهي تعبد المسيح وقد رثاها قائلاً: “نفس أنوفنا مسيح الرَّب أخذ في حفرهم” (مراثي إرميا4: 20

ها هو النَّبيّ يشهد للمسيح الرَّب الَّذي قُبضَ عليه من البشر، والنَّتيجة يقول النَّبيّ: “في ظله نعيش بين الأمم” (مراثي إرميا 4: 20)، سوف لا تُعطى نعمة الله للشعب الإسرائيليّ بل للأمم

قد تنبأ العهد القديم بكل ما يتعلَّق بآلام الرَّب

كل الأقوال كُتبت في الكتب النَّبويَّة وليس في الألواح الحجريَّة (2كو3: 3)، وهذه الأقوال كُتبت بوضوح بواسطة الرُّوح القدس، يسوع طُعن بالحربة في جنبه (يو19: 34)، لقد كُتبَ من قبل، وأيضًا صُلِبَ في بستان (يوحنا19: 41)، ولقد بيع بيع بثلاثين من الفضَّة (زك11: 12، مت26: 15)، لقد قال النَّبي هذا من قبل أيضًا، ولقد أضاف أنَّهم قد أَعطَوه خلاًّ ليشرب (مت19: 29-30)، ولقد وضعوا جسده في قبر منحوت في صخرة وأغلقوه بحجر كبير (مت27: 60)، ولقد صُلِبَ مع لصين (مت27: 38)، وأنَّه دُفن، وقام

خيانة يهوذا مذكورة في نبوءات العهد القديم

يهوذا كان خائنًا وأتى ووقف منتصبًا أمام المسيح قائلاً: “السَّلام يا سيِّدي” (مت26: 49)، ثمَّ سلَّم سيّده إلى الموت لم يخجل عندما قال له المسيح: “يا يهوذا أبقبلة تُسلم ابن الإنسان” (لو22: 48). كأنَّه يقول له تذكَّر ماذا يعني اسمك. يهوذا يعني اعتراف. بمعنى إرجع وخُذ الفضَّة إعترف بسرعة، “يا إله تسبيحي لا تسكت. لأنَّه قد انفتح عليَّ فم الشِّرِّير وفم الغش، تكلَّموا معي بلسان كاذب، بكلام بغض أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب” (مز19: 1-3)، ويقول المرنِّم عن المسيح: “أحبَّائي يقفون تجاه ضربتي وأقاربي وقفوا بعيدًا” (مز38: 11)، ويقول أيضًا: “ألين من الزِّيت كلماته وهي سيوف مسلولة”(مز55: 11). وقد كان البعض من رؤساء الكهنة موجودين، وأنَّ الحرَّاس كانوا أمام أبواب المدينة وهذا ما يشرح المزمور الَّذي تحدَّث فيه عن السَّاعة والموضع الَّذي قُبض فيه على يسوع: “ويعودون عند المساء يهرُّون مثل الكلب ويدورون في المدينة” (مز59: 14

الثَّلاثون من الفضَّة الَّتي أخذها يهوذا تنبَّأ عنها العهد القديم

“قلت لهم إن حَسُنَ في أعينكم فأعطوني أُجرتي وإلاَّ فامتنعوا” (زك11: 12): أنتم مدينون لي بأجرة عن شفاء العُميّ والعرج، إلاَّ أنَّكم قد أعطيتموني أجرًا آخر، فبدلاً من الشُّكر الإهانة وبدلاً من السُّجود الشَّتائم، إنَّهم يخبرون مسبقًا عن هذه الأحداث: “فوزنوا أُجرتي ثلاثين من الفضَّة” (زك11: 12)؛ إنها نبوءة دقيقة يا لحكمة الروح القدس لأنَّه لم يقل عشرة ولا عشرون لكن بالضَّبط، كل ما كان، ثلاثون؛ ولكن أين ينتهي هذا الثَّمن الَّذي أخذه هل احتفظ به أم أعاده؟ وبعد عودته أين مضى؟ يقول النَّبيّ: " فأخذتُ الثَّلاثين من الفضَّة وألقيتُها إلى الفخَّاريّ في بيت الرَّب” (زك11: 13)، فإذا قارنَّا الأن الإنجيل بالنبوءة نجد بأنَّه يقول: “ندم وردَّ الثلاثين من الفضَّة إلى رؤساء الكهنة والشُّيوخ” (مت27: 5

بالثلاثين من الفضة تم شراء حقل الفخَّار

يقولون أنَّ النَّبيّ يقول:“فأخذتُ الثَّلاثين من الفضَّة وألقيتُها إلى الفخَّاريّ في بيت الرَّب” (زك11: 13)، وأيضًا الإنجيل يقول: “وأعطوها عن حقل الفخَّاريّ كما أمرني الرَّب” (مت27: 10)، وحتَّى نجد رؤساء الكهنة عندما رأوا يهوذا ندم وقال: “قد أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا” (مت27: 4)، قالوا :“ماذا علينا ، أنت أبصر” (مت27: 4). بل قالوا فيما بينهم: “فأخذ رؤساء الكهنة الفضَّة وقالوا لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم” (مت27: 6

لقد قيَّدوا المسيح مثلما ذُكر في النبوءة

“قيَّدوا المسيح ووضعوه في بيت رئيس الكهنة” (أنظر لو22: 54)، ويقول أشعيا “ويل لنفوسهم لأنَّهم يصنعون لأنفسهم شرًا قائلين لنقيِّد البار” (أش3: 10)، فقد غُفر للشَّعب بعدما قاموا بنشر أشعيا إلى أجزاء، وألقوا إرميا داخل الحمأة (إر25: 6)، ولكن شُفي جرحهم لأنَّه أخطأوا ضدَّ إنسانٍ، أمَّا الآن فلم يخطأ اليهود ضدّ إنسان لكن ضدّ الله الَّذي تأنَّس، لذا الويل لنفوسهم. “لنقيِّد البار”، قد يقول المرء: ألا يمكن أن يحل ذاته، هذا الَّذي حلّ لعازر من قيود الموت يبعد أربعة أيَّام (يو11: 39)، وحلّ بطرس من قيود السّجن الحديديَّة (أع12: 7)؟ واللائكة المتأهِّبون يقولون: “لنقطع قيودهم”(مز2: 3)، لكنّ الرَّب احتمل كلّ هذا لأنَّه أراد أن يتألَّم. وانقاد المسيح أيضًا إلى الشُّيوخ ليحكموا عليه؛ لذا لديك بالفعل الشَّاهد: “الرَّب يدخل في المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم” (أش3: 14

قد لُطمَ المسيح وتُفِلَ عليه كما قالت النّبوءات

شرعوا بالتّفل على وجهه، ذاك الَّذي بلعابه شفى المولود أعمى، “الرَّب تكافئون بهذا يا شعبًا غبيًّا غير حكيم، أليس هو أباك ومقتنيك” (تث32: 6)، وفي أشعيا (أش50: 60): “بذلت ظهري للضَّاربين” لأنَّ بيلاطس عندما جلده سلّمه ليُصلب (مر15: 15)، “وخدّيّ للنَّاتفين ووجهي لم أستر عن العار والبصق” (أش50: 60)، كأنَّه قال: وأنا أعرف أنَّهم سوف يضربونني لم أدر خدَّيَّ لكي أتجنَّب الضَّرب، لأنَّني كيف أقوّي التَّلاميذ لكي يموتوا من أجل الحقّ، لو كنت أخاف الموت؟ أنا قلتُ: “من يحب نفسه يُهلكها” (يو12: 25). إن أحببتُ حياتي هنا على الأرض كيف كُنتُ أُعلِّمُ عكس ذلك. فإذا كان الله يحتمل هذه الآلام من النَّاس، فهذا حتَّى لا يخجل البشر فيما بعد عندما يعانون مثل هذه الأمور من أجله

المسيح صالح هيرودوس مع بيلاطس كما جاء في النّبوءة

إن مسألة أنَّهم قيَّدوا يسوع وأحضروه إلى بيلاطس، إنَّها موجودة في العهد القديم “وهو يجلب إلى أشور هديَّة لملك عدوّ” (هو10: 6). لكن ربما يتساءل أحد قائلاً: “بيلاطس لم يكن ملكًا، فنقول بحسب الإنجيل: “عندما سمع بيلاطس أنَّ المسيح أتي إلى الجليل أرسله إلى هيرودس، لكنَّ هيرودس وقتذاك كان ملكًا وموجودًا في أورشليم” (أنظر لو23: 6-7) والنّبوءة تقول بأنَّه قد أرسله كوسيلة مصالحة، فقد صار بيلاطس هيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما” (لو23: 12

طلب الشَّعب الإسرائيليّ صلب المسيح كما ذُكر في النبوءة

ها هو بيلاطس يجلس ويحكم على الَّذي هو جالس عن يمين الآب (مز109: 1)، يقف أمام بيلاطس يحكم عليه، والشَّعب الَّذي تحرَّر بواسطته من عبوديَّة مصر، صرخ ضدّه مرَّات كثيرة: “خذه خذه إصلبه” (يو19: 15)، لكن ما سبب هذا المقت على يسوع ألأنَّه شفى عميانهم؟ أو لأنَّه جعل العرج يمشون؟ فنجد أشعيا يقول: “بمن تسخرون وعلى من تفغرون الفم وتدلعون اللسان” (أش57: 4)، والرّب نفسه بفم الأنبياء يقول: “صار لي ميراثي كأسد في الوعر، نطق عليّ بصوته، من أجل ذلك أُبغضه” (إر12: 8)، " قد تركتُ بيتي رفضتُ ميراثي دفعتُ حبيبة نفسي ليد أعدائها" (إر12: 7

صمت المسيح في المحاكمة كما تقول النبوءة

حين كان يُحاكم المسيح ظلَّ صامتًا حتَّى أنَّ بيلاطس تضايق وقال: " أما تسمع كم يشهدون عليك" (مت27: 14)، ذلك ليس لأنَّه كان يعرف من هو الَّذي يقوم بمحاكمته، لكن لأنَّ حُلم امرأته أخافه، وظلَّ المسيح على صمته، فيقول المرنِّم “وأكون مثل إنسان لا يسمع وليس في فمه حجَّة” (مز38: 14

الجنود يستهزئون بيسوع ويسجدون له مثلما قالت النُّبوءات

أحاط الجنود بيسوع وأحضروه في الوسط واستهزءوا به وأخذوا يسخرون منه: “وأنا صرت عارًا عندهم، ينظرون إليَّ وينغصون رؤوسهم” (مز109: 25). وتحقَّق بواسطة تصرفاته نموذج المملكة، رغم أنَّهم كانوا يستهزءون به، إلاَّ أنَّهم كانوا يركعون له، وألبسه الجنود قبل الصَّليب، ثوبًا من الأرجوان ووضعوا تاجًا على رأسه (متّ 27: 29)؛ إنَّ كل ملك يظهر سلطانه من خلال الجنود الملتفين حوله، فكان ينبغي أيضًا أن يتوّج المسيح رمزيًّا بواسطة الجنود، كما يقول الكتاب في نشيد الأناشيد: “أخرجنّ يا بنات أورشليم وانظرن الملك سليمان بالتَّاج الَّذي توجته به أمه” (نش3: 11

انقاد يسوع كحمل بلا عيب إلى الصَّليب كما تقول النبوءات

بما يختصّ الفردوس نجد أنَّه صار السُّقوط في الفردوس، وفي البستان هناك صار الخلاص، بدأت الخطيئة من الشَّجرة، وانتهت عند شجرة الصَّليب. كان وقت المساء عندما تمشَّى الرّب واختبأ الأبوين الأوَّلين (تك3: 8)، وفي المساء أيضًا أُدخل اللص إلى الفردوس بواسطة الرّب، ولكن أين يُذكر بالعهد القديم وجود شجرة الصَّليب؟ نسمع إرميا يقول: “وأنا كخروف داجن يُساق إلى الذَّبح ولم أعلم” (إر11: 19)، فالحمل هو المسيح على حسب قول يوحنَّا المعمدان: “هوذا حمل الله الَّذي يرفع خطيئة العالم” (يو1: 29)، “إنَّهم فكَّروا عليَّ أفكارًا قائلين” (إر11: 19)، فقالوا: “لنضع الشَّجرة في خبزه ونقطعه من أرض الأحياء” (إر11: 19)، فنعرف أنَّ جسد المسيح وفق الإنجيل رُمز إليه بالخبز، ولذلك قالوا: “تعالوا لنضع الشَّجرة في خبزه ونقطعه من أرض الأحياء

الحيَّة النُّحاسيَّة في البريَّة وعصا موسى يرمزان إلى صليب المسيح

قد سبق وأشار موسى إلى مثال الصَّليب بالحيَّة النُّحاسيَّة المعلَّقة على خشبة، حتَّى أنَّ كلّ من لدغته الحيَّة ونظر إلى الحيَّة النُّحاسيَّة يُشفى بالإيمان (عدد21: 9)، ألا يُخلِّص ابن الله المتجسِّد حين علِّق على الصَّليب؟ فهل تكون للعصا قوَّة ولا يكون لصليب المخلِّص قوَّة؟ في زمن موسى، الخشبة جعلت المياه المرَّة حلوة (خر15: 25)، ومن جنب يسوع المسيح تدفَّق الماء والدَّمّ على الصَّليب (يو19: 34

الدَّمّ والماء اللذين تدفَّقا من جنب المسيح أُشير إليهما مقدّمًا في العهد القديم

في زمن موسى، كانت المعجزات بالدَّم والماء عندما حوَّل النَّهر إلى دمّ (خر7: 20)، والمعجزة الأخيرة مع يسوع كانت أيضًا خروج الدَّم والماء من جنبه الطَّاهر، وقد أُعلنت قصَّة خروج الدَّم والماء في الأناجيل، قوَّة المعموديَّة الَّتي قدّمت لنا الخلاص، والآخر الَّذي مُنح للشُّهداء القدِّيسين، في زمن الاضطهاد، الَّذين اعتمدوا في دمائهم، لأجل هذا خرج من جنب المخلِّص دم وماء. حتَّى تتأكَّد نعمة الاعتراف بالمسيح سواء في المعموديَّة أو في الاستشهاد لأجله

يوجد سبب آخر لطعن جنبه وهو أنَّ المرأة الَّتي خُلقت من جنب آدم صارت جالبة للخطيئة، وأمَّا يسوع فعندما أتى ليمنح الصَّفح والغفران للرِّجال والنِّساء طُعنَ في جنبه من أجل المرأة

اختفت الشَّمس في منتصف نهار الصَّلب كما قالت النّبوءة

يقول النَّبي عاموس: “ويكون في ذلك اليوم، يقول الرَّب، إنّي أُغيب الشَّمس في الظُّهر، وأُقيم الأرض في يوم نور” (عا8: 9)، و"أُحوِّل أعيادكم نوحًا” (عا8: 10)، لأنَّ الصَّلب كان في فترة أيام الفطير وفي عيد الفصح، وبعدها يقول عاموس: “وأجعلها كمناحة الوحيد وآخرها يوم مرّ” لأنّه كان يوم من أيَّام الفطير وعيد عندما كانت النِّساء تقرعن على صدورهنَّ وهنَّ يبكينَ (لو23: 27

إقتسم الجنود ملابس المسيح وألقوا قرعة لمن سوف يأخذ رداءه مثلما قالت النبوءة

لقد مات المسيح وقد كان لابسًا رداءً وثوبًا واحدًا، لكن الجنود اقتسموا الثَّوب إلى أربعة، لذا مزَّقوه (يو19: 23). أمَّا رداءه المنسوج لم يتمكّنوا من تمزيقه لأنَّهم لو مزقوه لما استفادوا منه شيئًا، لذلك ألقوا القرعة عليه، وهذا ما يتطابق مع المزّمِّر القائل: “إقتسموا ثيابي بينهم وعلى ردائي اقترعوا” (مز22: 18

ألبسوا المسيح ثوبًا من الأرجوان كما قالت النبوءة

حين حُكم عليه من بيلاطس، كان لابسًا لباسًا أرجوانيًّا، لأَّنه مكتوب، “هناك ألبسوه ثوبًا أرجوانيًّا” (مت27: 28)، لكن يقول أشعيا النَّبيّ: “من ذا الآتي من أدوم بثياب حمر من بصرة؟” وتعني: من هذا الَّذي بمهانة يلبس هذا الثّوب الأرجوانيّ، “ما بال لباسك أحمر وثيابك كدائس المعصرة” (أش63: 1-2)، ويجيب أشعيا قائلاً: “أبسط يدي طول النَّهار إلى شعب متمرِّد سائر في طريق غير صالح” (أش65: 2

صُلب المسيح بين لصين كما قالت النبوءة

قيل عن اللصين الَّذين صلبا معه: “أُحصي مع الأثمة” (لو22: 37، أش53: 12)، والاثنين كانا قبل الصَّلب من الأثمة، لكنَّ احدهما لم يبقَ هكذا، بل طلب الغفران قائلاً: “أذكرني يارب في ملكوتك

تألَّم المسيح ومات وهكذا صالح البشر مع الله

أخذ المسيح خطايانا في جسده فوق خشبة الصليب، حتى بموته نخلص من خطايانا ونحيا بالبر (1بط2: 24)، لم يكن الَّذي مات من أجل خطايانا جميعًا مجرَّد إنسان عاديّ أو مجرّد حمل، ولم يكن أيضًا مجرّد ملاك (أش63: 9)، لكن كان هو الله الَّذي تأنَّس

المسيح دُفن في قبر منحوت كما في النبوءة

كان القبر مصنوعًا بالأيدي، وكذلك أشعيا يقول: “أُنظروا إلى الصَّخر الَّذي منه قُطعتم وإلى نقرة الجبّ الَّتي منها حُفرتم” (أش51: 1)، والأناجيل تقول: “ووضعه في قبر منحوت” (لو23: 53). “ووضعه في قبر منحوتًا في صخرة” (مر15: 46)، ما نوع باب القبر؟ يقول نبيّ آخر: “قرّضوا في الجبّ حياتي” (مراثي إرميا3: 53)، “إنَّني أرقد في حجر آخر لمدة فليلة، حيث أنا الحجر الَّذي أعثر اليهود” (أش8: 14، 1بط2: 8) وخلَّص الَّذين آمنوا به، إذن زُرعت شجرة الحياة في الأرض، لكي تنال الأرض الملعونة البركة ويصير الأموات أحرارًا

خاتمة

بعد أن استعرضت بعض من آلام المسيح الَّتي لمَّح إليها الأنبياء في العهد القديم، وكيف تمَّ تحقيقها في العهد الجديد بشخص يسوع المسيح الفادي الَّذي ارتضى أن يتنازل ليتجسَّد وليرفعنا ويخلصنا من موتنا، وموت الخطيئة، فقد محى الصَّك المكتوب علينا بدمه الكريم، وبيَّضها بدم الحمل، فأمام خشبة الصَّليب الَّتي وقف أمامها القدِّيس كيرلّس الأورشليميّ نردِّد معه “إنَّ الجلجلة الَّتي نحن مجتمعين بالقرب منها نقتنع أنَّه صُلِبّ

المراجع

  1. الكتاب المقدَّس العهدين القديم والجديد (دار المشرق
  2. صلب المسيح وموته للقديس كيرلس الأورشليميّ تعريب الدكتور جورج عوض إبراهيم ، دار يوسف كمال للطباعة 2009 القاهرة
  3. WWW.ALBISHARA.ORG